طوفان الأقصى: 3 أهداف سياسية + 2 هدف عسكري + السيناريوهات المتوقعة.
"طوفان الأقصى" هو موضوع الساعة. فهم ما حدث يوم 7 أكتوبر يبدو حتى الآن مهمة صعبة المنال على المحللين والباحثين، فتخيلوا حال غير المتخصصين والمهتمين بالشأن العام. هؤلاء لديهم الكثير من الأسئلة في حين تأتيهم الإجابات تحمل نبرة التحليلات الاكاديمية، أو تبدو صعبة على الفهم بالنسبة لهم، أو أنه تزيد من طرح الأسئلة بدلاً من أن تقدم الإجابات. أحاول تجنب هذه المساوئ خلال كتابتي الحالية. هذه المقالة صاحب الترتيب الخامس في النشرة الأسبوعية التي أصدرها بإنتظام موضوعها الرئيسي: لماذا عملية "طوفان الأقصى" في هذا التوقيت؟ وما الذي يمكن لها أن تحققه؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟ وبمعنى أخر، تحاول المقالة فهم عملية "طوفان الأقصى" بشكل واسع دون الدخول في كثير من التفاصيل التى تأتينا كل دقيقة عبر وسائل الإعلام؟. كل هذا في أقل من 1200 كلمة، أو مايعادل 5 دقائق قراءة. مهمة صعبة، لكن لأحاول، ومن الله التوفيق ونسأله العون والسداد.
لماذا "طوفان الأقصى" الآن؟
بدأت القصة على الأغلب بقرار سياسي وليس عسكري. عملية عسكرية بهذا الحجم لن يتم البدء بها إلا بعد توافق سياسي شبه مكتمل بين أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس داخلياً وخارجياً. العملية العسكرية لها تبعاتها الدولية والاقليمية المتوقعة، لذلك فإن موافقة المكتب السياسي على الأقل، هو الحد الأدنى المتوقع قبل بدء هذه العملية. المكتب سيكون له دور كبير أثناء وبعد العملية العسكرية سواء مع الأطراف الاقليمية الداعمة، أو خلال عمليات التفاوض حول الأسرى، أو من أجل الوصول لإتفاق لوقف إطلاق النار. إذا كان قرار العملية هو قرار سياسي، فيجدر بنا الآن التفكير في الأهداف السياسية المراد تحقيقها من هذه العملية. في تقديري الشخصي، هناك ثلاث أهداف سياسية رئيسية خلف هذه العملية:
الهدف الأول هو إعادة الاهتمام إلى القضية الفلسطينية مرة أخرى لكي تتمركز في صدارة المشهد العربي مجدداً بعد عقد من التراجع بعد الانتفاضات العربية. المقارنة بين عقد الأول من الألفية (2000- 2010) والعقد الثاني منها (2011-2023) يضع القضية الفلسطينية في مركز متأخر على أجندات الكثير من الدول والحكومات العربية. العقد الثاني شهد العديد من الانتفاضات العربية في دول مثل مصر، وسوريا، وليبيا،والسودان والجزائر ولبنان واليمن وغيرها. هذه الانتفاضات جعلت الاهتمامات المحلية والقضايا الوطنية لها الأولوية عن القضايا الإقليمية والدولية. العملية العسكرية الحالية تحاول إعادة القضية الفلسطينية لصدارة المشهد مرة أخرى.
تحويل التراكم العسكري الذي حدث في السنوات السابقة لدى حركات المقاومة وبالأخص حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى مكاسب سياسية واستراتيجية واضحة هو على الأغلب الهدف الثاني لهذه العملية (هذا الفيديو يوضح كيف تطورت قدرات المقاومة العسكرية). أهم هذه المكاسب هو الانتقال من خانة رد الفعل إلى خانة الفعل المبادر الذي يعمل على تحقيق أهداف محددة. مقارنة التراكم العسكري لدى حركات المقاومة بدولة الاحتلال الاسرائيلي سيجعل الكفة تميل إلى الطرف الثاني بالتأكيد. لكن مقارنة التطور العسكري لحركات المقاومة في السنوات العشر الأخيرة، بالسنوات العشر التي تسبقها يظهر تقدم كمي ونوعي في قدرات المقاومة. هذا التقدم لن يكون مؤثراً إذا لم يتم استخدامه بشكل فعال عسكرياً لتغير الواقع العسكري على الأرض، أو من أجل الحصول على مكاسب سياسية. المبادأة العسكرية في تحديد وقت المعركة دلالة واضحة على الرغبة في الاستفادة من القدرات العسكرية الجديدة في إحداث تغيير نوعي على الأرض.
أما الهدف السياسي الثالث لعملية طوفان الأقصى في تقديري الشخصي يتمثل في إيقاف التحالفات الإقليمية المتصاعدة مؤخراً بين الدول العربية ودول الاحتلال الإسرائيلي. تقف المملكة العربية السعودية في مقدمة الصفوف الراغبة في الدخول في مسارات التطبيع. هذه التحالفات الإقليمية تجعل من دولة الاحتلال دولة "طبيعية" في المنطقة في الوقت الذي تضعف من الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه القضية الفلسطينية من الدول العربية. في المجمل، هذا سياق إقليمي يتشكل يساهم في إضعاف القضية الفلسطينية ويعلي من مكانة دولة الاحتلال في المنطقة. بدء العملية العسكرية لن يقضي على هذه التحالفات الإقليمية لكنه يوقفها مؤقتاً وقد يمنع تقدمها لفترة زمنية معقولة.
بالتأكيد هناك أهداف سياسية أخرى لهذه العملية، لكن هؤلاء الثلاثة في تقديري لهم الأولوية. إذا كان الاتفاق على الأهداف السياسية مهم لكن تحويل هذه الأهداف السياسية إلى خطط وإجراءات شئ أخر. وهنا ننتقل من الشق السياسي إلى الشق العسكري.
ما الذي يمكن أن تحققه عملية "طوفان الأقصى"؟
لست خبير في الخطط العسكرية ولا التكتيكات الحربية. لذلك فأن تحليلي هنا يركز على الأهداف العسكرية من عملية "طوفان الأقصى"، والإجراءات والسياسات من أجل تحقيق هذه الأهداف. في تقديري الشخصي، فإن الخطة العسكرية سعت لتحقيق هدفين رئيسيين:
الهدف الأول هو القيام بعملية عسكرية خاطفة وعلى محاور متعددة خارج قطاع غزة لإحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية واستعادة جزء من الأراضي الفلسطينية لفترة محددة، وعمل تغطية إعلامية واسعة لهذه العملية وهذه الاستعادة. بشكل مختصر، خسائر بشرية كبيرة في صفوف العدو خارج قطاع غزة. لكي ينجح هذا الهدف في في حاجة إلى شرطيين لازمين: الأول المفاجأة بحيث لايكتشف العدو العملية قبل أن تبدأ. المفاجأة تحتاج إلى سرية كبيرة بالإضافة إلى خداع استراتيجي بلغة العسكريين. أم الشرط الثاني اللازم فهو الخسائر البشرية الكبيرة والنوعية في صفوف العدو خلال وقت قصير. المتقوع أنه بعد ساعات قصيرة من بدء العملية فإن العدو سيبدأ بالرد، لذلك فكلما تم الإيقاع بخسائر بشرية كبيرة في الساعات الأولى من العملية، كلما كان ذلك أفضل. فمع مرور الوقت، تقل احتمالية أن تتوفر فرصة إيقاع خسائر بشرية جديدة. قراءتي لما حدث، تقول أن هذا هو الهدف العسكري الأول.
الهدف الثاني أتوقع أن يجلب الكثير من النقاش حوله. هو ببساطة أن تكون هذه العملية رسالة ردع تجعل القرار العسكري لمهاجمة قطاع غزة قرار صعب على قيادة العدو. وبمعنى أخر، أن القيادات العسكرية في المقاومة تأمل أن تؤدي مفاجأة العملية العسكرية مع الخسائر البشرية الكبيرة في أن يكون الخيار الوحيد المتاح للعدو هو قصف الطيران بدون الوصول إلى الاجتياح العسكري. مشكلة هذا الهدف
أن التكلفة البشرية المرتفعة المتوقعة نتيجة رد فعل دولة الإحتلال هو تكلفة عالية، لكن على أمل أن لاتتكرر هذه التكلفة مرة أخرى في المستقبل بنفس هذا الحجم. لذلك نلاحظ أن هناك تعويل دائم وحث على مشاركة الضفة الغربية وجبهات لبنان والجولان، والتفاعل الشعبي الواسع منذ اليوم الأول في العملية. والهدف في تقديري إشغال العدو بجبهات متعددة جعل قرار الاجتياح البري أصعب مع مرور الأيام.
اسرائيل: هل تحتاج غزة برياً؟
لننتقل الآن إلى الجانب الأخر: كيف سيكون رد الفعل؟ قصف الطيران واستهداف المدنيين حدث بالفعل، والسؤال المطروح الآن حتى وقت كتابة هذه المقالة: هل سيكون هناك اجتياح عسكري لغزة أم لا؟ الشواهد على الأرض تقول أن هذا سيحدث على الأغلب في غضون أيام بعد أن يتم إجلاء الأجانب من قطاع غزة، ثم تنظيم قوات الاحتلال الإسرائيلي على حدود غزة، والإعداد الجيد للخطط والعمليات العسكرية، والتنسيق مع مصر من أجل التعامل مع مشكلة اللاجئين المحتملين والفارين من الحرب. بعد أن يتم إنهاء ترتيب هذه الإجراءات، سيكون وقت الاجتياح العسكري قد حان.
عاملان في تقديري يمكن أن يساهما في عدم حدوث هذا الاجتياح. الأول هو تصاعد الانقسام الداخلي داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي. الانقسامات الداخلية هي واحد من الأسباب الرئيسية لخسارة الجيوش الكبيرة لحروب صغيرة كما بين الباحث الشهير أندرو ماك (عرضي لهذه الورقة من خلال هذا الرابط). الحكومة الاسرائيلية الحالية هي أقوى المدافعين عن الاجتياح العسكري، في حين تبدو الأطراف الدولية (الولايات المتحدة والدول الأوروبية) والدول الإقليمية (مصر والأردن وغيرهم) أقل تشجيعاً لهذه الفكرة لأسباب مختلفة. زيادة الإنقسام الاسرائيلي سواء بين السياسيين والعسكريين أو بين المؤيدين للاجتياح والمعارضين له أو أي صور أخرى لهذا الإنقسام يساهم في العدول عن قرار الاجتياح البري لقطاع غزة.
العامل الثاني أن تلعب العوامل الاقليمية والدولية دور متصاعد وقوي ضد بدء الاجتياح العسكري. نذكر هنا تحديداً إيران والتهديد بتدخل حزب الله وفتح جبه الجولان. ونذكر أيضاً تصاعد الضغوط الشعبية والدبلوماسية من دول أوربية مختلفة، أو الأهم من الولايات المتحدة الأمريكية. يمكن بالتأكيد أن تذهب دولة الاحتلال لاجتياح بري لقطاع غزة غير عابئة بالمواقف الاقليمية أو الدولية، لكن تصاعد المعارضة لهذا الاجتياح بشكل متصاعد يجعل هذا القرار أكثر صعوبة.
لهذا، فإن الساعات القلية القادمة ستكون حاسمة في تحديد هذا القرار.
مالعمل؟
أي احتلال مصيره إلى زوال. هذا وعد الله، وسنن التاريخ. لذا فإن العمل هو أن :
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
جزء من قصيدة أمل دنقل: لاتصالح.
إيران لن تشارك هي و حزبها في لبنان ، إيران تلعب على التناقضات و لا يهمها الأقصى ، ما يهمها هو منافسة الدور الصهيوني لتكون يد الغرب في المنطقة