فلسطين قضيتنا…6 أسئلة رئيسية وإجاباتها حول التطورات الحالية
س1: هل دفعت إيران وحزب الله المقاومة إلى الحرب ثم تركتها بمفردهم؟
قرار وقت بدء المعركة هو قرار الحركة بنفسها، وتوجد الكثير من الشواهد على أن إيران لم تكن على علم بالتوقيت قبل بدء المعركة. وأنها علمت في الساعات الأولى بالطبيعة المختلفة لهذه المعركة عن المعارك السابقة. يمكن أن يكون هناك اتفاقات سابقة على مواقف محددة وعلى دعم إيران حدوث مثل هذا الأمر، لكن على الأغلب لم يكن لدى إيران علم بوقت المعركة قبل بدئها.
على الجانب الآخر، فالحركة عملت في مواقف مختلفة على اتخاذ مواقف مختلفة ومتباينة عن الموقف الإيراني حتى تستطيع المحافظة على استقلال قرارها لأكبر مدى ممكن. في هذا السياق، أنصح بالإطلاع على ورقة صدرت حديثاً من مركز الجزيرة للدراسات تناقش علاقة حركة المقاومة مع إيران وطبيعة هذه العلاقة. أحد الاستنتاجات التى وصلت لها الورقة بخصوص الأوضاع الحالية أن إيران قد تكون راضية عما تم إنجازه حتى الآن لكنها لا ترغب في تصعيد الأمور أكثر من ذلك خشية فتح جبهات جديدة. لذلك، فهناك دعم لما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية لكن هذا الدعم محسوب ويتجنب التصعيد الواضح خوفاً من تصاعد الصراع ودخوله في مرحلة لا يمكن التحكم بها.
س2: لماذا رد الفعل القوي والغير مسبوق من الغرب وتسابق الرؤساء الغربيين للقدوم إلى اسرائيل؟
هذا يدفعنا إلى مناقشة العلاقة بين دولة الاحتلال وبين الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد. وعلى عكس التصورات الشائعة من أن اللوبي الاسرائيلي له تأثير كبير في السياسة الأمريكية الداخلية وأنه يتحكم بها بشكل كبير. وأنه دولة الاحتلال تتحكم في الدول الغربية، فإن عبدالوهاب المسيري الذي قضى معظم حياته في دراسة اليهود واليهودية والصهيونية لديه استنتاج مختلف أؤيده فيه.
يؤكد المسيري أن دولة الاحتلال هي في طبيعتها جزء من المشروع الاستعماري الغربي الاستيطاني، وأن نشأة هذه الدولة كان مرتبط بتحقيق هذه المصالح الاستعمارية في المنطقة والتخلص في نفس الوقت من اليهود الموجودين في أوروبا الشرقية. لذلك فإن دولة الاحتلال هي الإبن المدلل للدول الغربية الذي لا يستطيع البقاء والاستمرار بدون الدعم الغربي لها. ماحدث يوم 7 أكتوبر يشير إلى تهديد كبير لهذا الإبن دفع الدول الغربية للمسارعة في حمايته ورعايته. فالابن في خطر و وجوده أصبح محل تهديد.
لمن يريد الإطلاع على مزيد في هذا الموضوع يمكن مشاهدة الحلقات التى اقوم من خلالها بشرح كتاب عبد الوهاب المسيري "مقدمة في الصراع العربي الإسرائيلي" من هنا.
س3: المفاوضات حول إطلاق سراح المحتجزين الاسرائيليين، كيف تتم وهل يمكن أن تساهم في إلغاء الحملة العسكرية؟
شهدت الأيام القليلة الماضية إطلاق سراح عدد من المحتجزين المدنيين لدى حركة المقاومة. في مقال منشور في جريدة هآرتس للدبلوماسي الإسرائيلي السابق تسفي برئيل يوضح أن حركة المقاومة تستخدم الرهائن ضمن استراتيجية تحاول من خلالها وقف الحرب. فمن خلال إدخال دولة متعددة في عملية المفاوضات مثل قطر ومصر وتركيا بدرجة أقل، وانخراط الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المفاوضات بالضرورة كونها داعمة لدولة الاحتلال ولديها عدد من المحتجزين، فإن الحركة تعمل على جلب أطراف متعددة إلى النزاع من أجل العمل على تأجيل الاجتياح البري، ثم تجنبه لاحقاً. ولذلك فإن المحتجزين لدى الحركة ليسوا فقط وسيلة من أجل إطلاق سراح مزيد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، بل أيضاً وسيلة من أجل وقف الحرب الحالية وتحقيق مكاسب سياسية منها. لكن هذه الاستراتيجية قد تتغير بالكلية في حال حدوث اجتياح بري، طبقاً لتقديرات الكاتب.
هذا العدد الكبير من المحتجزين هو عبء على الحركة بسبب الاحتياجات المعيشية والطبية لهم في ظل ظروف سيئة في القطاع، وبسبب الاعتبارات الأمنية الخاصة بتأمين أماكن وجودهم. لذلك،فإن وفرة أعداد المحتجزين تعطي للمكتب السياسي للحركة بالخارج مساحة أوسع من أجل العمل على إطلاق سراح عدد منهم بشكل لائق في مقابل الحصول على مزيد من المكاسب السياسية وإيقاف الحرب.
س 4: هل يتم الاجتياح البري؟ وكم يستمر؟
هناك الكثير من العلامات والإشارات المختلفة بالإضافة إلى الكثير من التصريحات الرسمية وغير الرسمية من دولة الاحتلال التي تشير بأن الاجتياح البري أصبح أمر لا مفر منه، وأن القرار تم اتخاذه لكننا في انتظار تحديد التوقيت.
الإضافة المهمة في هذا السياق مرتبطة بشكل هذا الاجتياح البري (هل هو عملية موسعة وكبيرة/ أم عمليات صغيرة خاطفة متتابعة) والمدى الزمني له (أسابيع محدودة/ أم شهور ممتدة). في غياب أهداف عسكرية واستراتيجية واضحة لهذه الحملة يمكن الحديث عن أكثر من توقع في هذا المجال.
الأول أن تكون الحملة العسكرية على هيئات عمليات اجتياح بري محدودة تتم في مناطق محددة يتبعها انسحاب سريع من هذه المناطق. وهذا شكل يقلل من التكلفة البشرية المتوقعة للحملة ويجنب جيش الاحتلال البقاء وإدارة قطاع غزة. يستمر هذا الشكل من الاجتياحات قصيرة الزمن لكن المستمرة والمتتابعة لشهور مع استمرار قطع الإمدادات من الماء والكهرباء والغذاء على القطاع. في تقديري، هذا هو الشكل الأكثر ترجيحاً لشكل العملية العسكرية.
الشكل الثاني مرتبط بعملية اجتياح بري واسعة وكامل للقطاع ثم البقاء فيها لفترة حتى ترتيب الأوضاع. في تقدير الكثيرين فأن التكلفة البشرية على الاحتلال للشكل الثاني مرتفعة. فهذا يعني أن جيش الاحتلال قد دخل إلى مصيدة المقاومة برجله، وسيكون السؤال المطروح وقتها ما مدى جاهزية المقاومة لمثل هذه المعارك، ومع الخطط التى تدربت عليها من قبل استعداداً لهذه اللحظة.
ستحدد الأيام القادمة أي شكل تختاره دولة الاحتلال ورد الفعل الذي تجهزه المقاومة.
س 5: تقييم الموقف مصر الحالي، وهل لدى مصر حلول أخرى متاحة؟
الموقف المصري الرافض لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين هو موقف جيد من حيث المبدأ. لكن عملياً، وبدون دخول مساعدات عاجلة إلى قطاع غزة وبشكل منتظم، فإن استمرار الموقف بهذا الشكل، يعني عملياً قبول الدول المختلفة بما فيهم مصر بموت الفلسطينيين في القطاع بدلاً من تهجيرهم إلى أماكن أخرى!
الدور الدبلوماسي المصري أيضاَ لا يبدو في أفضل حالاته. فمصر تجني الآن ثمار الكثير من القرارات الدبلوماسية السابقة التي جعلت الخيارات المتاحة قليلة. مؤتمر السلام الذي اشتمل حضور دول مختلفة تحول إلى "مشهد/لقطة" جيدة من حيث الشكل، لكنها سيئة من حيث المضمون حيث لم يحدث حد أدنى من التوافقات أو القرارات المشتركة. مقابلة حافظ الميرازي مع سفير مصر السابق أيمن زين الدين تشمل تقييم موضوعي للمؤتمر واقتراحات بديلة سواء لمؤتمرات أخرى، أو لمضمون السياسات البديلة المتاحة لمصر. السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية ينبغي أن تكون أكبر من المطالبة بفتح معبر رفح، أو العمل على وقف إطلاق النار عند تجدد المعارك.
س6 : هل ما حدث يوم 7 أكتوبر 2023 هو انتصار استراتيجي للمقاومة الفلسطينية حتى لو كانت التكلفة مرتفعة أو حدث اجتياح بري لغزة؟
تشيع هذه الجملة كثيراً رغم أنها غير دقيقة وقد تكون مضللة أيضاً. نتمنى بالتأكيد انتصار المقاومة لكن هذا لايعني أن نردد كلام ليس في صالحها.
ماحدث يوم 7 أكتوبر هو تطور كبير وغير مسبوق ومفاجأة كبيرة وبخسائر فادحة لدولة الاحتلال. وهو بهذا الشكل تطور استراتيجي مهم بالتأكيد. لكن هذا الإنجاز هو انتصار في معركة ولن تظهر قيمته إلا في حال الفوز في الحرب. ما الذي يعنيه هذا بشكل مبسط؟
في الحروب الكبيرة، قد يفوز الجيش في معركة أو اثنتين لكن تنتهي الحرب بخسارة الجيش لها. وقتها، فإن الحديث عن الفوز في معركة ما يصبح بلا معنى في ظل الهزيمة النهائية. ترديد مقولات مثل أن ما حدث هو انتصار استراتيجي بغض النظر عما يحدث لاحقاً هو خطاب قد يجلب الدعم الشعبي والراحة لكن يكمن في داخله خطر على مستويين:
المستوى الأول: أنه لايضيع ما حدث ضمن سياق أوسع وضمن التطورات المتتالية. لو انتهت المعركة الحالية لاقدر الله باجتياح غزة، والقضاء على المقاومة، مع خسائر بشرية فادحة في حياة الفلسطينيين، وعمليات تهجير واسعة، وقتها لا يصبح هناك أهمية كبيرة لما حدث يوم 7 أكتوبر. فالتكلفة مرتفعة والنتيجة النهائية هي القضاء على المقاومة. لذلك من المهم دائماً أن تظل هناك حالة من العمل المستمر على مستويات مختلفة للحفاظ على ماتم إنجازه ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده بكل الوسائل الممكنة أثناء هذه المعركة.
يوجد خطر آخر في ترديد هذه المقولة على المستوى الشخصي وهي أنها تدفع من يسمعها ويقتنع بها للاعتقاد أن الأمور قد انتهت بالفعل، وأننا قد "انتصرنا استراتيجياً" بغض النظر عما يحدث الآن أو التطورات على الأرض. تدفع مثل هذه المقولات للتعامل بقليل من الجدية والعمل الدؤب مع التطورات الحالية وهذا أمر شديد الخطورة.
لذلك اختصاراً، فإن ماتم يوم 7 أكتوبر هو تطور نوعي واستراتيجي في كفاح الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه واستعادة أرضه، لكنه يظل في النهاية معركة رابحة ضمن حرب طويلة لم تنتهي بعد، يجب أن نعمل جميعاً ومعاً باستمرار على الفوز بها.


