أعتذر عن التأخير الطويل! مضى أكثر من شهرين على أخر نشرة قمت بكتابتها. وسبب التأخير أني أردت أن تكون هذه النشرة مختلفة عن العشر نشرات السابقة، وفكرت كثيراً حتى توصلت إلى فكرة أتمنى أن تعجبكم!
نعم، لقد قمت بنشر عشر نشرات بريدية حتى الآن! مر الوقت سريعاً منذ أول عدد في أغسطس الماضي. اصبح لدي النشرة أكثر من 400 متابع على لينكدإن، وأكثر من 100 مشترك ومشتركة رغبوا أن تصلهم هذه النشرة مباشرة على بريدهم الإلكتروني. هذه أرقام تشجعني على الاستمرار كما أنها تحملني في نفس الوقت مسؤلية مضاعفة في اختيار محتوى النشرة. لذلك فكرت أن يكون لهذا العدد طابع خاص. سأشارككم في هذا العدد مراجعة سريعة وخاطفة لأهم ما قمت بقراءته/ سماعه/ مشاهدته خلال الأربعين يوماً السابق. ما سأقوم بكتابته هنا هي الفكرة الرئيسية أو الإنطباع الرئيسي الذي قمت بتسجيله وقت القراءة/الاستماع/ المشاهدة. وإذا أراد أحد منكم المزيد من النقاش أو التفصيل حول اي من هذه الأفكار فيمكن أن يكون ذلك في التعليق أو من خلال السؤال….فربما يفتح هذا مساحة أوسع لمشاركة أخرين في النقاش. سأحاول أن كون مختصراً قدر الإمكان في العرض، لكن دون أن يخل ذلك بالأفكار الرئيسية. هل سأنجح في ذلك. لنرى!
1- ملاحظات ميدانية: نشأة دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية
هذا بودكاست استمعت له في 28 ابريل الماضي، يعرض فيه مؤلف الكتاب أهم الأفكار في كتابة الصادر باللغة الإنجليزية بهذا العنوان. عرض المؤلف يشير بشكل اساسي لكيف تطورت الدراسات الشرق أوسطية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال المئة سنة الماضية. توجد أجزاء يمكن أن تفتح شهية بعض المتابعين والمتابعات: تحديداً دور المخابرات الأمريكية في هذا التأسيس ودعم الحكومة الفيدرالية لهذه البرامج. الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية كانت تريد أن تفهم العالم الذي تحكمه، لذلك كان انشاء دراسات الشرق الأوسط جزء من متطلبات هذه الهيمنة الأمريكية. لكن هذه نظرة ضيقة لما تم، الاستماع إلى البودكاست يحفز التفكير الواسع في العلاقة بين إنتاج المعرفة بشكل عام من جانب ودعم/ أو عرقلة المؤسسات الحكومية والتنفيذية التى لديها السلطة والموارد المالية اللازمة على الجانب الآخر. العلاقة بين المعرفة والسلطة بمعنى أخر. لقد دعمت المخابرات الأمريكية تأسيس وتطور هذه البرامج في البداية وانفقت عليها، لكنها مع منتصف الستينات اصيبت بالإحباط. فهذه البرامج الاكاديمية والجامعية لم تقدم للمخابرات الامريكية ما كنت تطمح إليه، ثم إنها كانت غير قادرة في أغلب الأوقات على فهم أو توقع الأحداث الرئيسية في المنطقة. بل والأدهي، أن القائمين على هذه البرامج ومحتواها بدأت مواقفهم الاكاديمية والسياسية تتغير وتتبدل في اتجاهات جديدة، بعضها على خلاف رئيسي مع تصورات المخابرات للمنطقة وطريقة التعامل معها. ومع منتصف الثمانينات، بدأ واضحاً ان هذه البرامج بدأت تسير في اتجاهات أكاديمية ومعرفية مختلفة عما كانت عليه في منتصف القرن الماضي.
كنت سابقاً في أحد الفيديوهات تناولت موضوع شبيه من خلال عرض لورقة كتبها الباحث المشهور بين المثقفين المصريين تيموثي ميتشل، الورقة تناولت الموضوع من زاوية مختلفة..وتعدد النظر معبرُ الفِكر.
2- داليا إبراهيم / دار نهضة مصر- بيزنس بالعربي.
بيزنس عائلي يعاني من مشاكل في النمو والاستمرار، فيحصل التجديد للشركة من خلال إحدى بنات الجيل الثاني التى تبدأ رحلة التطور والتغير بالشركة. البدايات لا يبدو أن لها علاقة بالنهايات. داليا إبراهيم من الزاوية الاجتماعية تبدو كتمثيل للطبقة العليا المصرية في شكلها النموذج: قادمة من اسرأة لها البيزنس الخاص بها القائم من فترة طويلة مع ظروف مالية واجتماعية مستقرة، تعليم ممتاز في الجامعة الأمريكية، زواج مستقر وهادئ مع تركيز على الأسرة والأولاد. تدين تقليدي وغير صاخب، وليس له امتدادت سياسية واضحة. لكن ظروف الشركة تتغير للتهئ فرصة لأن تكون إبراهيم على رأس قيادة هذه المؤسسة الكبيرة. المهتمين بالدراسات النسوية يمكن أن تمثل لهم إبراهيم حالة ممتازة للبحث والدراسة في المواضيع المتعلقة بالمرأة داخل قطاع الأعمال. لكن الإجابات التى تقدمها داليا إبراهيم لن تأتي في الأغلب متوافقة مع توقعاتهم. لذا وجب التنوية.
الفريق أهم أم الفكرة؟
الكفاءة أم الفاعلية؟
ماهو أهم قسم في الشركة؟
كيف نُقيِم الشركات الناشئة في ريادة الأعمال؟
ما موقع خدمة المجتمع في الشركات الخاصة؟
وغيرها من الاسئلة..تقديري أن الإجابات في أغلبها كانت "غير تقليدية" أو لنقول خارج الإجابات المكررة في هذه المواضيع. تظهر غير التقليدية من بداية الحلقة وكيف بدأت بتعريف نفسها وحتى أخرها وهي تتكلم عن علاقتها مع الشيخ محمد الغزالي. في الحقيقة، لم يكن لدي معرفة مسبقة حول الشركة أو حول الشخصية، لكن سأكون مهتم بمتابعة التطورات المستقبلية، خاصة وأنها يبدو على رأس منعطف واضح…تبدو فيه السياسة واقفة على رأس هذا المنعطف لتتحكم في العابرين!
3- بودكاست زوايا قبطية- مجدي جرجس
الاستماع إلى تاريخ مصر بعين الأقباط الموجودين في مصر ومن خلال باحث قبطي مصري متخصص في التاريخ فكرة لن تجد الكثير من القبول والحماس. التخوف من التحليل المنحاز ربما تكون أولى الأفكار التى تتوارد إلى الذهن عند سماع هذه الفكرة. لكني أظن أن محتوى بودكاست زوايا قبطية قد استطاع الهروب من هذا الفخ حتى الآن. المحتوى المقدم "غير تقليدي" ساهم أسلوب الباحث السهل الممتنع في دفعي للاستماع إلى أكثر من حلقة. زاوية النظر الجديدة تطرح اسئلة جذابة:
متى تحول الأقباط في مصر لإستخدام اللغة العربية؟ متوقع أنه في وقت ما تحول المصريون عموماً لإستخدام اللغة العربية كلغة أساسية لأهل البلد. لاحظ أن هذا لم يحدث مثلاً مع الفرس في داخل الأراضي الايرانية ولا مع الأتراك في الأناضول، لكنه حدث في مصر. في كلا البلدين تحول قطاع كبير إلى الإسلام دون أن يتخلوا عن لغتهم. جزء كبير من المصريين تحول إلى الإسلام وإلى استخدام اللغة العربية. متى تخلى الأقباط في مصر عن لغتهم أثناء المعاملات اليومية وانتقلوا إلى استخدام اللغة العربية ولماذا حدث هذا؟
كيف كانت العلاقة بين الكنسية المصرية والكنائس المسيحية الأخرى الغربية بالأساس؟ هنا شكل جديد من العلاقة بين الشرق والغرب، لكن ليس الغرب "المسيحي" في مقابل الشرق "المسلم"، بل الشرق والغرب الذين يتشاركا نفس الدين. كيف كانت كنيسة روما تنظر إلى أقباط مصر: هل باعتبارهم جزء من الشرق لا يختلف عنه، أم أم أن لهم طبيعة خاصة عن باقي هذا الشرق؟ ومن أين جاءت هذه التصورات؟
كيف تعامل الولاه العثمانيون مع أقباط مصر ومع الكنائس الخاصة بهم؟
زاوية نظر جديدة لنفس الأحداث التى أعرفها/ أو بمعنى أدق أظن أني أعرفها تفتح فرص للتفكير المختلف حول وقائع متعددة.
4-حضرة المحترم - نجيب محفوظ
حضرة المحترم نجيب محفوظ المحترم،
قرأت روايتكم "حضرة المحترم" ولدي سؤال يرادوني: لقد عرفت أنك قمت بكتابة هذه الرواية بعد بلوغك سن المعاش، فمالذي شاهدته في وظائفك الحكومية المختلفة دفعك لكتابة هذه الرواية؟ أم أن الفكرة لم تأتي لك من "داخل" عملك الحكومي وإنما من النظر إلى الوظيفة الحكومية من "خارجها"؟
::::::::::::::::::::::::::::
يمكن أن نقرأ رواية "حضرة المحترم" بعيون شباب وشابات هذه الأيام باعتبارها رواية نقد لأفكار ومفاهيم "التنمية البشرية" المنتشرة بين الشباب والشابات. هذا شاب حديث التخرج يضع لنفسه هدف واضح، قابل للقياس، قابل للتحقق رغم صعوبته، مرتبط بمدى زمنى معلوم وقد قرر أن يعمل على تحقيقه ..مهما كانت التحديات. يضع عثمان أفندي بيومي بطل الرواية لتحقيق هذا الهدف عدد من الشروط اللازم تواجدها في أثناء المسار لضمان الوصول إليه،كما أن مسار ومراحل هذه المسار واضحه أمامه. المتبقي فقط العمل والجهد والعزيمة المستمرة المدعوم بالشغف الذي يملأ القلب للوصول إلى الهدف. لا أظن أن نجيب محفوظ نفسه فكر في أن روايته يمكن أن تستخدم للتدليل على فساد مفاهيم "التنمية البشرية" 🙂. لكن بمجرد صدور الرواية يصبح للقارئ نصيب في فهم وتأويل الرواية كما لمؤلفها، فهي لم تعد حكراً على المؤلف.
بالنسبة لي، لو كان هناك مقرر خاص بالإدارة العامة، فأقترح أن تكون رواية "حضرة المحترم" من ضمن القراءات الإلزامية. والأفضل أن تكون في بدايته. فكرت بشكل شخصي أن استخدام فيلم أحمد زكي "أربعة في مهمة رسمية" كأول تكليف لمقرر الإدارة العامة. لكني الآن اتراجع عن هذا القرار. رواية حضرة المحترم هي التكليف الأول. لماذا؟
الموظف الحكومي لايقتصر فقط على الشكل التقليدي للموظف المدني العام الذي نعرفه. وظائف أخر يمكن أن يكون بها نفس هذه السمات ..المؤسسة العسكرية مثلاُ يمكن اعتبارها شكل من أشكال البيروقراطية. التنظيمات الهرمية الكبيرة في القطاع الخاص أو في القطاع الأهلي أو ما يطلق عليه منظمات المجتمع المدني يوجد فيه نماذج شبيهه أيضاً. لكن الرواية في تقديري لا تتناول الموظف العمومي بل الفكرة التى تقف وراء هذه الوظيفة..وهي "السلطة": كيف يمكن لسلطة لاتملك مدفع ولا رشاش أن تدفع أشخاص للقيام بكثير من الأشياء عكس ما أحبوا وأرادوا لمجرد أنها "سلطة"، كيف يحدث هذا؟
5- Medical Sociology
لننتقل الآن إلى القراءات الاكاديمية. كطبيب بشري درس ومارس الطب لمدة تصل إلى 15 عام ثم درس العلوم الاجتماعية بعد ذلك، راودتني فكرة أن أقرأ عن الطب والممارسة الطبية من زاوية النظر الاجتماعي/السوسيولوجي. لما درست السياسات العامة، ركزت على سياسات الرعاية الصحية..لكن الجانب الإجتماعي لهذه الممارسات الطبية يشدني الآن أكثر، خاصة بعد أن قمت بشرح كتاب اسمه "الطب والأطباء في مصر: بناء الهوية المهنية والمشروع الطبى" على قناتي على اليوتيوب.
ولأني أميل إلى تفضيل القراءات المنهجيةخاصة لو كنت أود الاستفادة من هذه المواضيع مستقبلاً. اخترت واحد من أشهر الكتب الدراسية Textbook في هذا الموضوع …..وبدأت القراءة.
Cockerham, William C. Medical Sociology. 15th ed. Routledge, 2022.
انهيت حتى الآن 7 فصول من أصل 16 فصل في الكتاب. والتجربة تبدو ممتعة.
تتناول الفصول التى قرأتها العلاقة بين الطبيب وبين المريض، العلاقات الاجتماعية بين الأطباء بعضهم البعض، تأثيرات الطبقة الاجتماعية، الجندر، العرق..الخ على الرعاية الصحية، انتشار الأوبئة Epidemiology وفهمه من خلال النظر الاجتماعي/السوسيولجي. لماذا لا يدرس طلبة وطالبات كلية الطب ومقدمي الرعاية الطبية مثل هذه المقررات كجزء من المقررات الجامعية؟
أعرف الإجابة جزئياً. لو أخبرني أحد أثناء سنوات الدراسة الست في كلية الطب أن هناك مقرر عن الجانب الاجتماعي للمارسة الطبية لاعتبارت ذلك نوع من التطويل غير المبرر للدراسة التى هي طويلة بالأصل. لكن نفسي "الحالية" ستقول لنفسي "السابقة" التى كانت تدرس في كلية الطب: لو أخذتي مثل هذا المقرر..لتجنبت الكثير من الأخطاء في التعامل مع المرضى، ومع زملائك الأطباء، ومع مجتمعك. لكن مَن يقول لِمن؟
إلى كل من استمر في القراءة حتى النهاية: تحية خاصة لكم جميعاً .…أتمنى تكونوا وجدتم الفائدة والمتعة في نفس الوقت. أتمنى ألقاكم في النشرة القادمة على لينكد إن أو في صفحتي على Substake
أترككم في أمان الله.
جزاك الله خيرا دكتور احمد لا تتأخر عنا ننتظر كل جديد تقدمة تحياتى لشخصك الكريم وأمنيات بدوام التوفيق
هى السلطة هنا فى التعليق على حضرة المحترم أيضا تعود إلى سلطة المال الذى يجنيه الموظف من العمل الذي يكون يكون حريص على تحصيله
بطريقة مضمونة بعيدة عن مخاطرة العمل في مشروع خاص معرض للفشل بسبب عدم الخبرة أو الدراسة التى تعود عليه بالنفع المادى الثابت الخلاصة أن الوظيفة شئ مضمون