التحليلات العسكريةِ : هلْ هناكَ بديلٌ لتحليلاتِ اللواءِ فايزْ الدويري ؟
تتصدرَ تحليلاتِ اللواءِ فايزْ الدويري _ الخبيرِ العسكريِ والاستراتيجيِ _ الخاصةِ بحربِ غزةَ عددَ المشاهداتِ والمتابعينَ . اللواءُ الدويري مناصر حقيقيٍ للمقاومةِ الفلسطينيةِ، ولا يخفي تعاطفهُ معها ولا معَ ما تقومُ بهِ. إظهارُ الدعمِ والتأييدِ للمقاومةِ في هذهِ الحربِ هوَ موقفٌ يجبُ أنْ ندعمهُ ونشجعهُ. فبقاءُ الدعمِ والتأييدِ في القلوبِ فقطْ غيرَ كافٍ أثناءَ هذهِ الحربِ البربريةِ التي يقومُ بها جيشُ الاحتلالِ الإسرائيليِ.
بالنسبةِ إلى المحللينَ المختصينَ بالشأنِ العسكريِ فدورهمْ في هذا المجالِ مهمٍ. تقديري الشخصيُ، إظهارُ الدعمِ والتأييدِ هوَ خطوةٌ أولى يجبُ أنْ تتبعها خطواتٌ أخرى، على رأسها ، أنْ يقدمَ كلٌ متخصصٌ في مجالهِ الأعمال بلْ والملاحظات النقديةِ إلى المقاومةِ. فإذا كانَ دورُ الفردِ في الميدانِ أنْ يقاتلَ، فهناكَ دورٌ آخرُ للمناصرينَ في دعمِ وتأييدِ والدفاعِ عنْ هؤلاءِ المقاتلينَ، كما أنَ هناكَ دورا آخرَ للمتخصصينَ في تقديمِ الأفكارِ والملاحظاتِ لتطويرِ الأداءِ وتحسينهِ في المجالاتِ المختلفةِ.
تابعتْ اللواءَ الدويري لفترهُ فوجدتْ تحليلاتهُ تخلو منْ ملاحظاتٍ المحبينَ وتعليقاتهمْ النقديةِ حولَ أداءِ المقاومةِ وتطورهِ. كما أنها تخلو في وضعِ هذا الأداءِ ضمنَ صورةٍ أوسعَ توضحُ حدودَ الأدوارِ التي يمكنُ أنْ تقومَ ومحدداتهِ. وبعبارةٍ أخرى، لقدْ بحثتْ عنْ منْ يقدمُ تحليلاتٍ تضعُ قدراتِ المقاومةِ وإمكانياتهِ في صورةٍ أوسعَ فتوضحَ لنا أهميةُ ما تقومُ بهِ المقاومةُ بالنظرِ إلى السياقِ وفرقِ الإمكانياتِ، وتوضحَ حدودُ ما يمكنُ أنْ تقومَ بهِ أيضاً حتى نساعدها على توسيعِ هذهِ الحدودِ أوْ أنْ نقدرَ جهودها ضمنَ هذهِ المحدداتِ. وقدْ قادني بحثيٌ لإعادةِ القراءةِ والمشاهدةَ لاثنينِ منْ المحللينَ المختصينَ بالشأنِ العسكريِ الذينَ قدموا إضافاتٌ مهمةٌ في هذا الشأنِ.
العميد صفوت الزيات
كما الدويري، لا يخفي العميدُ صفوتْ الزياتْ تأييدهُ للمقاومةِ الفلسطينيةِ بلْ إنهُ يعلنُ في الحوارِ الذي أذيعَ في شهرِ نوفمبرَ الماضي وتمَ قبلَ أيامٍ قليلةٍ منْ وفاتهِ أنهُ يتمنى مقابلةَ محمدْ الضيفْ القائدِ العامِ للكتائبِ القسامْ كما يتمنى أنْ يسمعَ منهُ شخصيا كيفَ تمَ التخطيطُ لعددٍ منْ العملياتِ العسكريةِ التي قامتْ بهِ المقاومةُ. الزياتْ لا يخفي أيضا إعجابهُ ولا تأييدهُ لما قامتْ بهِ المقاومةُ في صباحِ يومِ السابعِ منْ أكتوبرَ ويؤيدُ أنَ ما تمَ في ذلكَ اليومِ كانَ كسرا للعقيدةِ الأمنيةِ الإسرائيليةِ واختراقٍ كبيرٍ خاصةٍ على مستوى الاستخباراتِ، لكنهُ معَ هذا التأييدِ فإنَ ذلكَ لمْ يمنعهُ منْ أنْ يقدمَ عددا منْ التعليقاتِ النقديةِ حولَ ما قامتْ بهِ، ولا أنْ يقترحَ عددٌ منْ الأفكارِ التي في الأغلبِ لنْ ترضى بها المقاومةُ . يقدمَ الزياتْ هنا دورَ المهنيِ الموضوعيِ الذي يقدمُ نقدَ المحبِ لا نقدَ المعادي. أهمَ التعليقاتِ النقديةِ التي قدمها العميدُ الراحلُ هيَ :
إنَ الأفكارَ الشائعةَ منْ أنَ إسرائيلَ لا تحبذُ الحروبُ الطويلةُ هيَ أفكارٌ لمْ تعدْ صحيحةً، وأنَ الأمورَ اختلفتْ في إسرائيلَ حاليا بسببَ زيادةِ عددِ السكانِ أوْ منْ حيثُ القدراتُ التكنولوجيةُ بحيثُ أصبحَ لديها قدرةٌ أكبرُ على الانخراطِ في حروبٍ طويلةٍ.
الزياتْ أكدَ أنَ هجومَ 7 أكتوبرَ كانَ يجبُ أنْ يسبقهُ تدريبُ أعلى على قواعدِ الاشتباكِ بينَ كتائبَ القسامْ التي هيَ كتائبُ عسكريةٌ غيرُ نظاميةٍ. وأنَ قواعدَ الاشتباكِ هذهِ كانتْ ينبغي التأكيدُ على خطورةِ الاقترابِ منْ المرأةِ والطفلِ والشيخِ، وخطورةُ أخذِ صورِ داخلِ منازلِ المدنيينَ. فطبقا لكلامهِ فإنَ المحاربَ النظاميَ صاحبَ القضيةِ ينبغي أنْ يبدوَ في تعاملهِ معَ المدنيِ كالملاكِ، وأنْ يتعاملَ معَ الأسيرِ برقيٍ.
الزياتْ أكدَ أيضا أهميةَ الصورةِ للتعاملِ معَ معنوياتِ الخصمِ، والصورةُ منْ أجلِ الظهورِ في شكلٍ احترافيٍ وإنسانيٍ في الوقتِ ذاتهِ . مع التأكيد في النهاية أن الذي يحقق المكاسبَ العسكريةَ هوَ الإنجازاتُ العسكريةُ التي تتمُ في أرضِ المعركةِ عندَ القتالِ بينَ المحاربينَ بشكلٍ أساسيٍ.
العميدُ كانَ يرى أيضا أنهُ منْ الأفضلِ أنْ تُفرجَ الحركةُ بشكلٍ سريعٍ عنْ المدنيينَ ولا تحتفظُ بهمْ لديها، فهذا غيرَ مفيدٌ منْ الناحيةِ الإنسانيةِ، كما أنهُ غيرُ مفيدٍ منْ الناحيةِ العسكريةِ كونَ ذلكَ يحتاجُ إلى أمورِ تأمينٍ وإعاشةٍ لهذهِ العددِ الكبيرِ.
يميلَ الزياتْ إلى أنَ إسرائيلَ لنْ تكتفيَ باستخدامِ استراتيجيةِ " جزِ العشبِ " أيْ القصفِ والقتلِ لفترةٍ لتدميرِ جزءٍ منْ قدراتِ المقاومةِ ثمَ التوقفِ، وأنها في الأغلبِ ستتجهُ إلى السيناريو الثاني وهوَ الاجتياحُ البريُ واستبدالُ سلطةِ حماسَ بسلطةٍ أخرى، وربما تتمادى إلى السيناريو الثالثِ حيثُ البقاءُ كسلطةِ احتلالٍ في قطاعِ غزةَ لفترةٍ ليستْ بالقصيرةِ.
أخيرا، دخلتْ حماسُ التاريخَ بما قدمهُ يومُ 7 أكتوبرَ منْ الناحيةِ " العسكريةِ " على الرغمِ منْ وجودِ عددٍ منْ المأخذِ على ما قمتُ بهِ يومها، لكنها ستكونُ في حاجةٍ إلى أنْ تذهبَ إلى التفاوضِ بلْ وربما إلى اتفاقيةِ سلامٍ طويلةٍ الأمدِ معَ الاحتلالِ لوْ كانَ هناكَ طرفٌ عاقلٌ في إسرائيلَ يقبلُ بهذهِ الخطوةِ .
ربما لا تبدو هذهِ النقاطِ مقنعةً للبعضِ، وربما يدورُ حولها نقاشُ منْ حيثُ مدى صوابها أوْ منْ حيثُ وجودُ بدائلِ أفضلَ للاقتراحاتِ التي تمَ تقديمها، لكنها تظلُ في تقديري تساعدنا على رؤيةِ المشهدِ العسكريِ الحاليِ بشكلِ أفضلَ بدلاً منْ تحليلاتِ الدعمِ غيرِ المحدودِ وغيرِ المشروطِ .
الدكتور عمر عاشور
التحليل العسكريِ والقتاليِ لا يقتصرُ فقطْ على العسكريينَ السابقينَ كما يعتقدُ الكثيرُ. وجودُ مدنيينَ لديهمْ خبرةٌ بالتحليلِ العسكريِ والأمورِ القتاليةِ هوَ منْ الأمورِ التي تساعدُ على تطورِ العلاقاتِ المدنيةِ العسكريةِ بشكلٍ إيجابيٍ، وهيَ منْ الأمورِ الغائبةِ للأسفِ في عالمنا العربيِ. فالتحليلُ العسكريُ يكادُ يكونُ محصورا بشكلٍ كاملٍ بينَ العسكريينَ. الدكتورُ عمرْ عاشورْ رئيسِ برنامجِ الدراساتِ الأمنيةِ النقديةِ في معهدِ الدوحةِ للدراساتِ منْ الاستثناءاتِ القليلةِ في هذا المجالِ. عاشورْ قادمٍ منْ خلفيةٍ مدنيةٍ أكاديميةٍ بالأساسِ، لكنَ التخصصَ الأكاديميَ لهُ مرتبطٌ بدراسةِ الأمورِ القتاليةِ والعسكريةِ ولهُ عددٌ منْ المؤلفاتِ المهمةِ باللغةِ العربيةِ والإنجليزيةِ في هذا المجالِ. المفيدَ في تحليلِ عاشورْ لما جرى يومُ 7 أكتوبرَ والاجتياحٍ البريِ لقطاعِ غزةَ أنهُ ينطلقُ منْ تحليلٍ منهجيٍ لما تمَ، معَ الأخذِ في الاعتبارِ قدراتِ الطرفِ الإسرائيليِ في الاعتبارِ وعدمِ التقليلِ منها. لنأخذْ مثالاً على ذلكَ.
قدمَ عاشورْ تحليلاً للأداءِ العسكريِ يومُ 7 أكتوبرَ للمقاومةِ في محاضرةِ نظمهما المركزِ العربيِ للدراساتِ منْ خلال تحليلَ هذا الأداءِ على ثلاثةِ مستوياتٍ رئيسيةٍ :
على المستوى الاستراتيجيِ، لا يبدو أنَ هناكَ هدفا استراتيجيا واضحا منْ هذهِ العمليةِ. فالثلاثةُ أهداف الممكنةِ مثلٍ السيطرةِ على الأرضِ وتحريرها، أوْ القتالِ التفاوضيِ لمْ تحدثْ، أما الهدفُ الثالثُ المعلنُ وهوَ تحريرُ الأسرى فقدْ بدأَ بالفعلِ لكنْ بتكلفةٍ عاليةٍ.
على المستوى العملياتيِ فإنَ ما تمَ في هذا اليومِ هوَ مناورةٌ هجوميةٌ بأسلحةٍ مشتركةٍ متعددةٍ الأبعادِ بما يشبهُ الغارةَ الكبرى، أما أهمَ نقاطِ التميزِ في هذا المستوى العملياتيِ فهوَ البعدُ الاستخباريُ، والهجومُ السيبراني، وهيَ بالمناسبةِ نقطةً تغيبَ كثيرا في التحليلاتِ التي تتناولُ ما تمَ في هذا اليومِ.
على المستوى التكتيكيِ، كانَ مستوى أداءِ مقاتلي المقاومةِ مرتفعا بما يشبهُ أداءً مقاتلينَ عسكريينَ في عددٍ منْ دولِ الناتو، لكنْ على الجانبِ الآخرِ، فإنَ أغلبَ الأخطاءِ المتوقعةِ في كتابِ المشاةِ قدْ تمَ الوقوعُ بها في هذا اليومِ، ربما بسببِ تدخلِ عددٍ منْ المسلحينَ منْ خارجِ التنظيمِ.
الميزة الثانيةِ في تحليلاتِ عاشورْ ، هوَ استدعاءُ الجانبِ الإسرائيليِ في المقارنةِ بشكلٍ دائمٍ، بحيثُ يبدو واضحا الفرقَ في الإمكانياتِ، وهوَ أمرٌ يبرزُ ما تقومُ بهِ المقاومةُ على الرغمِ منْ هذهِ الفروقِ، لكنهُ في نفسِ الوقتِ يشيرُ إلى حدودِ هذهِ الأدوارِ والتحدياتِ التي تواجهُ المقاومةُ. لنأخذْ عددا منْ الأمثلةِ.
حشدُت دولةِ الاحتلالِ حواليْ 360 ألفِ مقاتلٍ في أسبوعينِ منْ أجلِ بدءِ الحملةِ العسكريةِ على قطاعِ غزةَ . الرقمُ في حدِ ذاتهِ لا يمكنُ تقييمهُ إلا عندَ مقارنتهِ برقمِ آخر. وهنا يستدعي عاشورْ عددَ القواتِ التي استدعتها روسيا للمشاركةِ في الحربِ الأوكرانيةِ خلالَ سنةٍ كاملةٍ ليشيرَ إلى أنَ ما استدعتهُ إسرائيلُ في أسبوعينِ منْ أجلِ قطاعِ غزةَ يعادلُ تقريبا ما استدعتهُ روسيا منْ أجلِ حربِ أوكرانيا لمدةِ عامٍ !
يشيرُ عاشورْ أيضا إلى أنَ الدخولَ المتدرجَ للقواتِ الإسرائيليةِ لقطاعِ غزةَ يمكنُ فهمهُ في إطارِ حرصِ دولةِ الاحتلالِ على عدمِ فقدانِ جنودٍ في هذهِ المعركةِ. لذلكَ تبدو قوةَ المشاةِ المصاحبةِ قليلةً، وهوَ أمرٌ يقللُ منْ كفاءةِ ومدى العمليةِ العسكريةِ الإسرائيليةِ لكنهُ يتمُ في الوقتِ نفسهِ منْ أجلِ الحفاظِ على حياةِ الجنودِ التي يمكنُ أنْ تسببَ مشاكلُ سياسيةٌ إذا ارتفعَ عددُ القتلى بشكلٍ كبيرٍ.
في نفسِ السياقِ، يشيرَ عاشورْ إلى أنَ جزءا مما قامتْ بهِ إسرائيلُ لا يمكنُ فهمهُ منْ الجانبِ العسكريِ، فالقصفُ الكبيرُ والمتواصلُ لمبانٍ مدنيةٍ وتسويتها بالأرضِ ليسَ لهُ أهدافٌ عسكريةٌ، لكنْ يمكنُ فهمهُ في إطارِ الانتقامِ. لكنهُ معَ هذا يعيدُ التذكيرُ ، أنَ قيامَ القواتِ النظاميةِ بمثلً هذهِ الأفعالِ ، يعني أنهُ يمكنُ أنْ تفوزَ على المستوى التكتيكيِ والعملياتيِ في الحربِ لكنها تخسرُ على المستوى الاستراتيجيِ. ففي مقابلِ كلِ مدنيٍ بريءٍ يموتُ، يظهرَ خلفهُ 10 مقاتلينَ راغبينَ في استكمالِ القتالِ ضدَ العدوِ، وهيَ ملاحظةٌ يوردها عاشورْ على لسانِ عددٍ منْ العسكريينَ الأمريكيينَ الحاليينَ والسابقينَ .
مالذي أريد أن أقوله؟
دعمُ القضايا العادلةِ لا ينبغي أنْ يدفعنا لعملِ تحليلاتٍ طبقا لطريقةِ ما يطلبهُ المستمعونَ .
يمكنكمْ متابعةَ شرحي لكتابِ حربِ المئةِ عامٍ على فلسطينَ . . . قصةُ الاستعمارِ الاستيطانيِ والمقاومةِ 1917 - 2017 منْ خلالِ هذا الرابطِ


