(1)
* يعجز هؤلاء عن فهم إدارة الدول؟ لا أسير وراء واقتراحاتٍ حالمةٍ يأتي بها أشخاصٌ لا تتجاوز معرفتهم بالسياسة منشورات فيسبوك وقصص إنستغرام، وفيديوهات اليوتيوب. تقوية الجيش أهم من الكهرباء والانترنت ! لا فائدة لهذه الأشياء في ظل غياب الأمن.
بدت كلماتُ رئيسِ الوزراء حاسمةً وسريعةً، محاولةً إنهاء النقاش الذي امتد أكثر من ساعتين في الاجتماع الأول لمجلس الوزراء بعد توليه المنصب. لكن الرد عليها جاء سريعاً ومباغتاً:
لا فائدة للجيش إذا غابت الكهرباء والإنترنت؛ لا نحارب بالسيوف والخشب! الجيش والمؤسساتُ الأمنية أول من يحتاج إلى الكهرباء والانترنت وتحتاج الشركاتُ والأسرُ أيضاً لهم.
لم تكن كلمات وزيرة الاقتصاد والتنمية أقل حسماً من كلمات رئيس الوزراء، وبدت الوزيرة وكأنها تتحدى رئيس الوزراء في أول اجتماع له!
"سيادة الوزيرة: هل تعيشين معنا في نفس البلد؟ هل تتابعين الأخبار؟ العدو لم يعد على الحدود، تجعل الأوضاع الأمنية الصعبة الحياة خارج المدن شبه مستحيلة. ونحن لسنا دولة خليجية، نحن دولة مرت بصراع طويل قضى على مواردنا المحدودة أصلاً، والتحديات لدينا كثيرة، ولن تحل في مرة واحدة. توفير الأمن والحماية هو الخطوة الأولى….هو الأولوية…. بعدها نفكر في الخطوات التالية.
حرك وزير الدفاع رأسه موافقاً على كلمات رئيس الوزراء، وتبعه وزير الداخلية. لكن الصوت جاء من وزير الكهرباء.
إذا كانت هذه هي أولوية الحكومة معالي رئيس الوزراء، فلا أظن أن هناك حاجة لاستمراري في منصبي! قبلتُ المنصب لأساهمَ بخبراتي في تطوير شبكات الكهرباء ورفع كفاءة قطاع الطاقة خلال ستة أشهر. ربما لا تكون الأوضاع ممتازة، لكنها مقبولة ويمكن البناء عليها. وقبل قبولي المنصب عرضت على معاليكم رؤيتي ووافقتم عليها. الآن تغيرتْ مواقفُكم فأغيرُ موقفي.
لم يتوقع أحد أن ينطلق حوارٌ حادٌ بهذه القوة في أول اجتماعٍ لمجلس الوزراء! وقبل أن تأتي ردة فعل من رئيس الوزراء أو أحد من الحاضرين دوّى فجأةً انفجارٌ عنيفٌ خارج القاعة انهي الاجتماع.
(2)
المقابلة مليئة بالكثير من التفائل والحماس. يقابل رجل الأعمال وحيد عدد من الشباب الممتلئ بالحماس والعلم لتوظيفهم في المصنع الجديد تحت الإنشاء. هبة مهندسة لم تسافر خارج البلد، لكنها تعلمت الكثير عبر الدراسة عن بعد عبر الانترنت. قضت سنواتها الجامعية تركز على تنمية معارفها عبر الانترنت وتهمل المواد الدراسية الجامعية. أما عادل المدير التنفيذي للمشروع فله خبرة عمل في أحد البلدان الأوربية لأكثر من سبع سنوات. حصل على جنسية هذه الدول الأوربية، وتزوج، وكون ثروة ليست كبيرة لكنها كافية. عاد إلى الوطن أملاً أن تتاح له فرصة تربية أولاده في مجتمعه الأصلي بدلاً من المجتمعات الأوربية. بالنسبة لرجل الأعمال، كان هذا مزيج مناسب لما يريد: مهندسة شابه لديها معرفة أساسية وخبرة بالواقع المحلي وتقبل براتب بالعملة المحلية يعتبر زهيد بالمقارنة مع رواتب نظرائها خارج البلد. ومدير تنفيذي ذو خبرة وطموح، يحصل على مقابل مادي قريب من نظرائه بالخارج في مقابل توفيره معرفة وخبرة غير متاحة محلياً. تغري فرصة الربح والاستثمار رجل الأعمال في خياله وفي حساباته على الورق. الحسبه بسيطة: لامنتجين محلين لهذه المنتجات، والطلب عليها مرتفع، والبدئل المستوردة غالية الثمن .بمجرد أن نبدأ الإنتاج لن يتوقف البيع، والأرباح شبه مضمونه، رغم المخاطرة المرتفعة.
سعيدة بقبولي للعمل معكم في هذا المصنع، ومتأكده من استفادتي من خبرة م. عادل، وبالعمل مع رجل أعمال مهم زي حضرتك م. وحيد.
الحقيقة م. وحيد، أنا متفائل بهذا المشروع…لم أتوقع في البداية وجود رجل أعمال وطني يأخذ مخاطرة كبيرة مثل هذه في ظل هذه الظروف. يحتاج المصنع إلى استثمار وصبر لتحقيق الأرباح، وتخوفت من عدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة، لكنا نملك الآن الموارد المالية والبشرية اللازمة لإنجاح هذا المشروع.
هذه أمور مبشرة، كان هذا رد رجل الأعمال وحيد. ثم أكملت هبة:
التحدي الأساسي حالياً هو تدريب العمال والفنيين. الجانب النظري متاح على الانترنت واعرف كيف أصل إليه وقادره على تدريب العمال عليه، بعدها لدينا فرصة التنفيذ مباشرة في المصنع في وجود م. عادل.
يوجد تحدي اخر يا هبة: الكهرباء. وأكمل عادل الكلام قائلاً نحتاج لتشغيل الآلات لفترة طويلة لتحقيق المعدلات المطلوبة، أوضاع الكهرباء الحالية غير مناسبة لو نطمح في تحقيق أرباح بعد سنتين إلى ثلاث سنوات من بدء عمل المصنع. نحتاج حل عاجل لمشكلة الكهرباء. هنا تدخل رجل الأعمال في الحوار:
اتصلتُ بالوزيرة أمس، وأكدتْ أن ملف الكهرباء والإنترنت سيكون أول بندٍ في أجندتها في اجتماع مجلس الوزراء اليوم. هذه أمور مبشرة؛ لأول مرةٍ أرى وزراء يساندون القطاع الخاص بشكل حقيقي، وليس مجرّد كلام.
وبمجرد ما إنهى كلامه، كان صوت الإنفجار قد هز المكان.
(3)
لا أصدق ما أسمع! انت من تقول هذا يا باشمهندس وحيد.
طبعاً! كيف أبدأ استثمارات ضخمه وابني مصانع في غياب الأمن؟ لقد كدت افقد مصنعي وحياتي في لحظات……هذه مخاطر لا اقدر عليها، يتوفر الآمن بعدها نبدأ العمل معالي الوزيرة.
دخلت في نقاش حاد مع معالي رئيس الوزراء لأقنعه أن الكهرباء لها الأولوية عن الأمن ظانه أن توفير الكهرباء مطلب رجال الأعمال الرئيسي، ثم تأتي الآن لتقول أن الأولوية للأمن…وأنت رجل أعمال كبير! نهض وحيد من على كرسيه ثم قال:
سيادة الوزيرة: ما فائدةُ الكهرباء إذا لم أستطع حماية نفسي وممتلكاتي؟
(4)
استمر في منصبك يا معالي الوزير… نحتاج جهودك بشدة في المرحلة القادمة.
من يقول هذا الكلام؟ ليست وزيرة الاقتصاد والتنمية ولا معالي وزير الوزراء…أنت من تقول ذلك يا وزير الدفاع، هذا أمر لم أكن أتوقعه؟
تقول تقديراتنا أن الجيش في حاجة إلى إمدادت كبيرة ومستدمة من الطاقة من أجل بناءه بشكل احترافي. لايمكن تحقيق الأمن في غياب مؤسسات الجيش القوية، لكن انقطاع الكهرباء المستمر وغير المتوقع أفسد لنا الكثير من الخطط ومن الأجهزة. الجيش بحاجة إلى إمداد قوي ومستدام من الطاقة، وهذا دورك سيادة الوزير.
متفق، لكن خطتي هي توفير الكهرباء والطاقة للمدنيين …لكل المواطنين، وليس العمل لمشاريع خاصة بتوفير الكهرباء والطاقة إلى مؤسسة الجيش فقط.
مالمانع؟ استمر في خطتك لكن الأولوية لمؤسسات الجيش والأمن ثم يأتي من بعدها باقي المؤسسات ثم مع زيادة الطاقة الانتاجية تكون الإتاحة لباقي المواطنين.
طبقاً لاحتياجاتكم من الطاقة، فإن أي زيادة في إنتاجية الطاقة في البلاد خلال الشهور الستة القادمة ستذهب إلى الجيش دون أن يشعر المواطنون بأي تحسن في حياتهم. لا أظن هذا قرار مناسب!
يوجد مثل شعبي يقول: اللي يحتاجة البيت يحرم على الجامع! ….أظنه هو القرار المناسب معالي الوزير! فكر جيداً وستعرف أنه هو القرار المناسب!
(5)
ارتفع صوت وزير الكهرباء مستغرباً:
حتى أنتِ معالي الوزيرة! …..ظننتك أول المعارضين له.
أقول لك وحيد بيه بنفسه قال لااستثمار بدون أمان….يريد أن يوقف استثماراته لمده 6 شهور حتى يتوفر الأمن، مايعني أن الجيش ورجال الاعمال توافقوا على نفس المطلب، فلماذا نعارض نحن؟
يعني هذا أن المواطنين لن يحدث أي تحسن في حياتهم خلال هذه الشهور الستة…يظل انقطاع الكهرباء مستمراً بلا تحسن لمده 6 شهور!
يمكنهم أن يصبروا! لقد صبروا بالفعل لسنين طويلة من قبل في ظل حكومات أخرى فاسدة ومستبده لم تقدم لهم شئ!
معالي الوزيرة….نكون مثل هذه الحكومات الفاسدة إذا قمنا بما كانت تقوم به…أتعرفين ما معني كلامك: لن نقدم للمواطنين أي جديد في الكهرباء لمده 6 شهور من أجل توفير كل الكهرباء الجديدة للجيش!
الكهرباء ليست للجيش بل لجلب الأمن!
معالي الوزيرة….لا أظن هذا عادلاً! ، وتحرك الوزير من مقعده معطياً ظهره إلى الوزيرة.
وهل لديك بديل؟
البدائل موجودة لمن يبحث عنها، قالها وهو يعود مرة أخرى إلى مقعده في مواجه الوزيرة.
مثلاً؟
نفتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في قطاع الطاقة. لماذا يظل قطاع الطاقة قاصراً على المؤسسات الحكومية…أنا كنت اود اقتراح هذه السياسة ضمن خطة عمل الوزارة في الفترة القادمة.
صمت الوزيرة لفترة، ثم قالت:
هذه سياساتي في الأصل، اعتبرُ القطاع الخاص المحرّكَ الرئيس للتنمية، لكن السياق الحالي لا يتيح ذلك. هل تظنّ أن وحيد بيه وأمثاله من رجال الأعمال يتحمسون للاستثمار في قطاع الطاقة في مثل هذه الظروف؟
(6)
قبل بداية الاجتماع التالي لمجلس الوزراء أعد كل وزير ورقته تحضيرًا للاجتماع، وبدأت الجلسة:
حان الآن دوركم:
- راجعوا المعطيات المتوفرة حتى الآن، وتوقعوا المقترحات التي سيقدمها:
رئيس الوزراء
وزير الكهرباء
وزيرة الاقتصاد والتنمية
لو فُتح أمامكم خيار تولي أحد هذه المناصب، فما اختياركم؟ وما المقترح الذي تقدمونه بناءً على رؤيتكم وأولوياتكم؟ ولماذا؟